ياعقل لم تشكـو ؟

‏يـاعـقـلُ لِمَ تشكُـو ؟

شـكا العقـلُ أمةَ العرب بعد أن ضـاق بها ذرعاً وجرَّعته‏
مـرارة اليـأس ، فنشـطت الأمـة للّـرد عليه استنكاراً لـه
إعجـاباً وغروراً بماضيها وحاضرها تعـال معي لنستمع
إلى قومنا في ردهم هذا عسى أن نفهم شيئاً عن قومنا
في مأسـاتهم مع العقــل المسكين
‏‏‏‏‏‏‏

:العرب تنكر العقل ولاتعترف به فتقول

ســمعنا فتى شــكــانــا اسـمُه عــقـــل
لاعــهــدَ لــهُ بِــنا فــكيـــف يشــكونــا
يــاعــقــل كــيـف انتــســبت إلـينــــا ؟
هـذا بهــتـانٌ ياعقـلُ فماذا تريـدُ منّا ؟

إن كـنـت أردتَ إرثاً فما لَــكَ نصــيـبُ
فـفي الأنسـاب عندنا ليـس لَــكَ قريـبُ
سـألنا شيوخ القبائل عنك فما عرفَتكَ
أمِـن قـحطان أنت أم مِن عدنان وُلِدتَ

لـئـن انتسـبتَ إلى العــرب فما صَدقتَ
ولو انتسـبت إلى العـجـم فــلا وُفِّـقْــتَ
إن قـلـت غـريبَ الحَسَـب فـقـد أصَـبتَ
فـمــا حجــتـك إذن ؟ ومِـن أيـن أتـيتَ

خُلــقــتَ وحـيــداً ! فمتـى خُــلـقـــتَ ؟
ولـيسـت لــك أمٌّّ ! فــكيــف وُلِــدتَ ؟
مـارأيــناك فــينا ومـاعـبـرتَ بواديـنـا
فبالـلّــه عـليـك كيـف وصـلت إلـينا ؟

أجِـــنــِيٌّ أنــتَ ؟ أم أصـابــك الــمَـسُّ
فــكــيــف تخـاطــبــنا وبــك لانُحــِـسُّ
‏ثم انتبهت العرب إلى أن العقل كان بينهم فبدأت تتملقه وتواسيه:‏

‏بَـلــى لـربَّمـا ســـمعنـا عنـك يـاعـقـلُ
فـي شِـــعـر أجـدادنـا لـك فيــه فـضــلُ‏
يــاعــقــل لاتشـكُ منّـا فأنــت الحـبيبُ‏
‏وأنـت الـهـوى فكـيــف صِــرتَ غريـبا‏

‏إن كنّـا هـــجــرنـاك فاعــذر جهـلــنـا‏
‏وإن كــنـّـا طَــردنـاك فـمـــا لَـك ذنــبُ‏
‏دَعِ الـحــزن عنك وادخـل في هـوانـا‏
‏فـلا عليـك إذا أصــابتك منا العيـوب‏
:ثم انهالت العربُ على العقل باللَّوم والاتهام فقالت

أنت شكوتنـا فاسمع ياعقلُ شكوانا
ولقـد أطـلتَ ولـم تفـهـم بعـد بَـلـوانا
لمـاذا جَـررتَ علينا الشقاء ياعقـلُ‏
‏كـفـى لو أطعناك لَطال فينا الشقاء‏

‏أما علمـت ياعـقـل بأننا قوم نحبُّ‏
‏الطـرب ولـنا فـي الـهـوى صَـخبُ‏
‏وأنت امـرؤٌ ياعقـل يُرهـق صاحبه‏
‏فيشـقى ويحـزن فكـلنا منك هارب‏

‏أما سمعت ياعقلُ شاعراً يقول لنا
‏ذو العـقـل يشقى في النعيـم بعقـله
وأخو الجهـالـة في الشـقـاوة ينعــم‏
‏أفلا عقلت الآن أم غاب عنك الفهمُ

‏دعــنا ننعـم في الشـقــاوة والأســـى‏
‏لقد مَلـلنا النُّصحَ والتذكيــرَ ياعقـلُ‏
أومـا بلغك ماقـاله المتكلمـون فينـا
إذا جـن ربــعـك فعقــلك لايـنفــعــك

فــأي نفــع نرجــو منـــك بعـد ذلـك
أنصـدقك ياغريـب ونكذب بعضنـا ؟
أما سمعت ياعقل قـول الفخـر فينـا
نطــق بــه في القــديـم شـاعرنــا ؟

ألا لا يـجـهـــلّـن أحـــد عــلـيــنــــا
فنجهــل فـوق جـهــل الجــاهـلـيـنـا
‏نحـن لانقــرأ الكتـــاب ولا الـزّبُـــرَ‏
‏ولا نقبل وعـــاظــا بيـننـا ولا رُسلاُ‏
ثم تُنكِر ماعابه عليها من عجزِ العِلْمِ : والمـال عن نفعها بيـن الأمم فتقــول

شكَوْتَ فقـلـتَ لايَـنـفعُ فِـيـنـا عِـلـمٌ ولامَـــالٌ
إذا فـَـقـدنـاك ! لقـد تجـرَّأت كثيــراً يـــاعـقــلُ
قد عَلِمَ أجـدادٌ لنا في الـقـديــم فـمـا عـاشــوا
ومانفعـونا أفَتضحكُ أنت ياعـقـلُ من جهـلـنــا

تـُريــدُ أن نَسـعى ونـجـهـد فـي طَـلَـبِ الــعُــلا
ِلمــاذا ؟ لِمــاذا ياعـقـلُ تطـلُبُ مِـنَّـا العَـنــاء
إن كــانـت الأمــمُ نَـطَـحَـت بالعِـلْــمِ السمـَـاء
تـُـريـــدُ أن نَـهْـلَـك نحــنُ فـي ذاك الــبـَــلاء ؟

أمـا علِمـتَ بأننــا اشــترينـا بالمـال مقـعـدنــا
فــي مركبتهـم إلى الفضــــاء ! أمـا رأيـتـنــا؟
فـكــن مُـنْـصِــفاً ! ذاكَ نَـفـْـعُ الـمـالِ يـاعـقـلُ
وَلَوْ صِـرْتَ غَـنيّـاً بعـد فَـقـْرٍ لَـنَـفَـعَـكَ المَـالُ

تراهم طاروا بِكُتُبٍ مِن عندِ الورَّاق حَـمَـلَتهُـم
فطــــافت بهـم أطـرافَ السَّـماوات والشُّـهبِ ؟
نحنُ سُـكـارى لنـا من دون كــأسٍ مشــربُ
تـراك ياعـقـلُ أنت أوَّل شـاكٍ منـا ومُـتْـعَــبٍ ؟

قــد شَـكَت مِنَّا الأرضُ والجـبــالُ والسُّحُــبُ
فلم نأسَفْ ولا نُبالي! لقد عَظُمَ فـينا الخَـطْـبُ
لَــنــــا مَــــاضٍ مَــانـَــــراك تـَــعـْـــرِفُــــــهُ
نــحــــنُ هـــــــودٌ وعـــــــــــادٌ وثمــــــودُ

إقـرأ عنَّـا في حــرب داحِـــس والغَــبـْــراءَ
لِـتعْـلَـمَ أنَّ بأسَ الأعـْـرابِ بَينـهـم شَــديــدُ
ثـمَّ فـعـلـنــاهــا مــع نَـبِـيٍّ مِـن قُــرَيْــــشٍ
أخــرَجْـنــاه من مَـكَّـة فـصَــار منَّـا بَـعـيـــدا

واذكُــر حـَربَـنــا معه في بَـــدْرٍ خَـسِـرنـاها
فلـم نَـعـقِـلْ ثم عُـدنا في الخندق وفي أحُـدٍ
حَـمَـلنـا فيـهـا رايَـةَ صَـخْــرٍ أبــي سُـفـيـان
ورايَـةَ عَـمـروٍ سَــمّـاهُ مُحَـمَّــدٌ أبَــا جَـهـلِ

ثم عــــاد إلــيــنـــا فــي لُــيـُــوثٍ منتـصـراً
فــذاك يَــوْمٌ عَـسِــيــرٌ عــلـيـنـا مـشــهــودُ
ذلَّــت رؤوسُـنـا فـيه وغــابَـت في أكتـافِـنـا
ولَـم تـنصُـرْنا فيـه رُومٌ ولافُـرسٌ ولايَـمَـنُ

َخذلـُونا جميـعاً بَعـد عُـهـــودٍ ومـواثـيـــقَ
تـاللَّــــهِ ما صَدقوا وما وفَّـــــوْا لنـا عهـداً
أجَـــلْ ! خِـفْـنَـــاهُ يَـوْمَهـا فـارتَـعَــدَتْ فيهِ
فـَرائِـصُـنـا ! كَـمَا أفـزَعَنـا قَـبْـلَهـا الـفِــيـلُ

لـكــنَّ محمَّـداً الأمـيــنَ عَفـا عَـنَّـا بِـقَـوْلَةٍ
َحفظَـهـا لَــهُ علينـا تاريـخٌ شــاهدٌ لايَـغيب
فـقــال الهاشِـمِـيُّ ابنُ قُـرَيْـشٍ لنا يومَهــا
أَنْــتُـــــمُ الطلقاء " فـهَـل فِـيـكُــم رَشِــيـدُ ؟"

ثــمَّ راحَ يَـكْـسِــرُ أصْــنــامَـنـا فَـانْـخَـلَعَـتْ
لَـهــا قُــلُــوبُــنَــا فحُــزْنُـنَـا عليها شَــديـدُ
وقــالَ إغـْرِبُـوا عَـنِّـي والْـزَمـُوا بُـيـوتَـكُـم
ونِـسـاؤنـا يُـبَـايِـعْـنَه ودُمُــوعُـنـَا تَـسْـكُبُ
:العرب تأسف على مافاتها ثم تفخر وتزهو بحاضرها فتقول

فـمــاذا عليه لـو تَــرَكـنا في أشعارنـا وأمـثـالـنـا
فـمــا لَــنـا في الكتـاب ولا في الـزبـُـر نـصــيـبُ
هـلاّ قرأت ياعـقــلُ كتابَ اللّه ومــاقــالـه فـيـنــا
على لســان نبيَّــه المُـشـتـكي منَّــا يوم يلـقـانــا

إشارة إلى قوله تعالى في سورة الفرقان-
-وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا

إن كـان شَـــكـانا قبلك رَبٌ على لِســان نبــيــِّـه
فما ارْعَوَينـا ! أفــأنت ياعـقــلُ الآن تشــكونــا ؟
نحن قومٌ نُريــدُ سلاماً مقابل أرضٍ تــعـيـــدُهـا
لنـا بَـنــــو قُريْظــة الــتي عــادت تــفــاوضــنـا

سلاماً أحمـر يقطُـرُ دَمـاً لانُـبـالي كيـف جـَـرَى
مادامت بعده نقــودٌ خَضـراء تُسِرُّنا وتُلهيـنا
تَـرِفُّ لَـهــا حَـنـايــانـا وأمــعـاؤنـا وأكـبــادُنـا
فَـأيـْنَ مَـثـْواكَ منهـا ياعـقــلُ فَهَلْ تَصْـدُقـنـا ؟

سَـألْنـا عنـكَ طبيباً جـَرّاحـاً صـادقــاً ليُخـبـرَنـا
فخـرج الحكيمُ علينا ضاحكاً مُطَـمْـئِـناً يُـبشِّـرُنــا
يَداهُ مَخْضوبَتان بِـدَمِ الأحْشاءِ فصاحَ مِن فـرحٍ
هَـاهٍ ! طوبى لكم ياقوم ليس في أحشائكم عقـلُ

أما عرفتَ ياعقل أنَّ في الأرض دجَّالاً يُسامِرنا
يَعـزفُ لنا على عُودهِ لَحنـاً يُرقصُـنا ويُطـربُنـا
فـمـاذا علينــا لو أطعنــاه في الهوى وعَصَـيْناك
فـلَن يُصــيـبنا حُــزْنٌ لَوْ ذَهَبَ هَوانا إلى سِـواك

نـحـنُ لَسْـنا عُصـاةٌ بَـلْ عُـشّاقٌ وكلُّنـا بَهـالِـيـلُ
والدَّهـرُ أفـنى الأحِـبَّة قبلنا فما هَـذِي الأبـاطيـلُ؟
ثمُّ انظُـرْ ياعـقـلُ !هل تَرى مِثلَنا على البَسيطة
قـوماً سُكارى فـي الهـوَى والطَّــرَبِ والجُـودِ ؟

فَــارْحَـــلْ عـنّـا ياعـقـلُ ولا تُـعــكِّـر صَــفـْـوَنـا
لـقــدِ افْـتـُضِـحْـنـا بـكَ وكَـثُـرَتْ عليـنـا الشُّــهـودُ
مـاتَــرَكْـتَ لـنـا صــاحِـبــاً يـــاعـقــلُ فـَـاغْـــرب
عَـنَّـا بـِوَجـْهـك فـَـوَالـلّـــــه لَسْتَ فـينـا مَحمُـوداً

مــادمت تشكـو وتنـدُب سـُــوءَ حَـظِّـك بَـيْنـَنـا
لارَجْـعَـةَ لَــك إليـْـنـا ولامَـرْحَــبــاً ولاعَـــــوْدَ

إلى جميع الأعـزاء من الأخـوة والأخـوات العـرب‏
‏أرجو أن أكون قد عبَّرت عن حال أمتنا اليوم
في وضعها‏ ‏المُـؤلم بعد أن اشـــتكى منها العقلُ
على أمـل أن تفيــق‏ ‏وتدرك مافعل بها الناس
فالمسؤلية ثقيــلة عـلى كـاهـل‏ ‏الــمـثقــفيــن
الواعين بيننا ورأيت أنه كان لابــد من‏ ‏هذه
الـتعــابير الحـيّة والمصورة لما آلت إليه‏
أمـورنا في‏ ‏أواخر القرن العشرين
‏لإبداء الرأي الواعي والبنَّـاء يمكنكم الاتصال بي مباشرة‏
محمد ياسـين حمودة
yasinh@total.net
Fax:(450)681-0974 ‏
يرجى المتابعة هنا
إذا لم تكن قرأت شكوى العقل فانظر هنا