أصبحت أرى العقل يشكو ويتضرع من ظلم هؤلاء الذين يرفضونه حيا
ويستحيونه ميتا فصار غريبا بينهم يناديهم ويستصرخهم وليس له مجيب
أدعوك للاستماع إليه معاً ، فاصغ إليه ستراه عيانا أمامك ولاشك في مشاهد عديدة
العقل يصف حاله بينهم بعد إنكارهم فضله فيشكو ضعفه وقلة حيلته ويقول
إلهـي ! إليـك أشـكو قومــاً صَـغّروا شـأنـي
فواثكـل أمِّـي لو كــانَ لـي مَن أناديـه أمِّـي
خـلـقـتـَنـي لـهـم وحيـداً وفـيــهم جـعـلــتـَنـي
فــلا أب لــي ولا أخ ولا حمـيـم يـُـؤنـِسُـنـي
أنِسـُــوا بالـوَهْــم وتمتَّــعــوا بالجـهــل دونـي
ولا ذنـب لـي ! ربِّ إنــي حـفـظـــت عهــدي
فبِنــورِ من يمشون بعـد أن أنكـروا نـوري ؟
لقـد ضـلّـوا إذن وهـامـوا في الظـلام بـعـدي
عُـمِّـرْتُ فيـهـم شـابّـاً حتى أصـابني الهَــرمُ
فصِرْتُ شيخاً ولشيخ العشـيرة عندهـم كَلِـمُ
فـلا فـضْـلَ عـرَفــوا ولا شَـــيْبَـةَ وقَّـــروا
ولا رَحِـــمَ وصَـــلـوا ولا مَــودَّة حـفـظــــوا
إن كــان نبيُّـك نـوحٌ قد دَعـا على قـومِـهِ
فلسـتُ أدعُـو عليهـم مابـقـيَ منهــم فَــردُ
يُعَـزِّيــني قَــوْلٌ مِـن ثَـغـْـرِ نـبـيِّـك أحـمـَــدا
رَبِّ اهْــــدِ قــومــي إنـهـم لا يــعـلـمــــون
هجَــرونـي فعـابهـم النـاس فـكـان جـوابـهـم
كــلاّ ! لاعـيب فينـا ! غـداً الايمـانُ يُنجينــا
أما علِموا أن الإيمـانَ كان في القديم رَديفي
لَعَمري قد أضاعوا الحجة وشوَّهوا البرهانَ
جَعَلـوا ديـنَ محمَّـٍد في الحُجَّـة نُصْبَ أشِــحَّةٍ
من ألسُنِ المستهزئيـن والمارقيـن والسفهاء
ابتـدعــوا أقـوالاً أغرقـتهم فـي لُجِّي بحـرِهــا
وتَـبِعَـتـهـم أقــوامٌ خَـبَـطــت خَــبْـط عشــواء
فصِــرْتُ كلَّـمـا قلـتُ لهـم ربِّــــي وخـالـقـــي
عَــلاَ صُــراخُ منـاديـهم: آبـــائـي وأجـــدادي
جَـعلْـتَهـم أحْـــراراً في اخـتـيـــار طَـريـــقِهــم
وعَـرَّفــتـهــم سُــــبُـلَ الـهـــدايـة دُونَ قــهْــر
طـردوني ! فوقعـوا أسْرى في خندق الجهـلِ
فـلا مـالَ ينفعـهـم بعدها ولا علـمٌ ولا عمـلُ
آثـروا ظـــلام الهــوى عـلى نــــور الـهــدى
ورَفـعـوا رايـةً عَـجــيــبـةً ظَـلْـمـــاء تُـــْردي
ثـمَّ أخـَـذَتْ عـلى أثـرِهِــمُ الأجــيـــالُ تَجـْـري
حَـيــارى تَـنْــزِلُ بهـمُ الشَّـدائـدُ والكـلُّ يَـدري
سَــقطــــوا دون شــُـعـوب الأرض قـاطـــبـة
فــلَـم يـَعُــدْ يـَحْـفَــل بـهـم شــرقٌ ولا غــربُ
داسَـــتهم الأمـمُ ظُـلمـاً وسَـحَـَقـت عظـامَـهـُـمُ
وأهلكَــت حَرْثَـهـم فَتـْكـاً وجَـمـْعُهـُـم مهــزومُ
فَــوَعـزَّتــك لا طــاقـةَ لِـيَ الــــيـــومَ بِــهــــم
ربّـاه ! أم كيـف أصـْـنَـعُ وأنــا الـمَـقـْهــُـورُ ؟
ثم صاح شاعرٌ "متى يُعلِنـون وفاة العـرب"؟
لعلّـَهـم إذا دُفِــنــوا اْرتــاحَـتْ منـهـــم الأمــمُ
فَـصـفَّـقـــوا لَــه جَـهـــلاً بعــد مــا طَـِـربـُــوا
ولـم يَعـقِـلـوا ولم يَعُـدْ يُفْـهَـمْ عنـدهـم كَـلِــمُ
ْ
فــلا عقـل ينقــذهــم ولاإيـمــان يـردعـهــــم
ولا حَـشْرَ يُخيفُهم ولا الميزانُ ولا الصُّـورُ
لَـعَـمْـري لـو وَعِـيَ خطـــرَ ماقــالَـه فيـهــم
لَـمَــا سَـــقطَـ ولَـمَــا أصــابَ قَـوْلَـه خـَطَــلُ
فـواعَجـَبــا مِمَّـا أراني الـدَّهـْـرُ مِـن خَـطْــبٍ
وواأســفــــاه إذا اسـتُضيـف عنـدهـم القـبــرُ
كـيف بهـم ينتظـرون المــوتَ عـلى يـأسٍ ؟
وغيرُهـم ماضـــون في الحيــاة لــم يَـلْــووا
عَمَـروا الدنيـا والآثــارُ على ذلـك شــاهـــدةٌ
لكـنَّ أمَّة العرب تنتظـر أن يُحفـَرَ لهـا قـبـر ؟
نادى شاعرُهم قبلهــا فيلسوفــاً عَـمَّ فـسـادُه
* أجيـالَ الغرب وَصَــلَ بعدهــا إلـى العــرب
قال الشاعر مرة : أصبحنا بحاجة إلى فرويد جديد ليدرس حالتنا المستعصية*
وَصَـفَـهُ لهـم طبيباً ومنقـــذاً لأمـة يَـعـْـرُبٍ
فــلا مرحباً بالمسخ إذا دُعِيَ وطُرِدَ العقــلُ
فَـقَـرَّت بذلــك عُـيــونٌ للأعـــداء ســاهـرةً
تُـراقـب اليـأس فيـهــم وتجَــرُّعَــهــم السُّــمُّ
وبــاتَـت مَحْــبـورةً تـضـحــكُ منـهــمُ أمــمٌ
وأخـرى بَـكَتـْهـم وعَـلاَ وجـهَــهـا الحُـــزْنُ
لولا اسـتشـار الـعـقـلَ قبلهـا لأحْجَـمَ القـلـمُ
عـن دعـوة إلى القـبـْـر ولَـمـا رُوِّجَ البُــرُمُ
فـأنَّى لهـم مَخـرجٌ مِـن ذا إن لم تَسَـعْـهُـمُ
رحـمـةٌ مِن ذي العرش ربِّ إنـك حــليـــمُ
ربـَّاهُ ! ربّـاهُ ! ارحم ضعفَهم فأنت بصيرُ
بحــقِّ نبيـك محـمَّــدٍ كُــنْ أنـت النـصــيـرُ
قـالـوا لاحظَّ لـي في فَهـم شـرعك الـذي
أنـزلْتَـه من أجلهـم ولـم تُـنِطـه بغـيـري
فمَـن أعطـاهم الحُـكمَ في كَـرَم العـطــاء
أو فـي البُـخْــل ومَـنـْـعِ الـحَــظِّ والـقِـسـم
عرفتُك بعد أن ابتدَعْـَتـني وأحسنت خلْقــي
وهـؤلاء تَجَـرؤا على مـن أطــاعـــك بــي
سَــمُّوا المطيـعَ العـاقـلَ صـاحبَ بـدعــةٍ
وَيْحَهـم أهــذا عـنـدهـم جـزاء العـرفــانِ
كيف صـار العاقـلُ في ميزانهم مبتدعـاً
فلبئس ماعرفوا وخاب صاحبُ الميزانِ
أتراهم دعوهُ إلى عصــيانك فارتضـى
في الهـوى ديناً غير ديـن النبيِّ أحمـدا
بعيــداً عــن حكمــة العـقــل وهـَـدْيِــهِ
لاحـجـة لــه فـيــه ولسَــوْفَ يـرديــه
زعـمـوا أنـهــم يَشُـكُّــون إنْ هـمُ اقــتـفـوا أثـري
يـاللفـضـيـحة (ة)! كـيف يـوقـنـون بـأثـر غـيري
ســـبحــانك ، لو عرفـوا حـكـمتــك فـي خــلـقــي
لَـخـَـرُّوا لـك سُـجَّــداً بعــدمــا عـرَّفـتَـهـم فـضـلــي
أمَــا علِموا أني أقبلتُ إلـيــك طوعاً يوم أمَـرْتَـنـي *
وأدبـَــرْتُ مَرْضِــيّــاً إذ أنـت بالإدبـار امْتـحَــنْـتـَنـي
فأثْنَيـتَ علَيَّ تَعـظــيـماً لِخَــلقي وصِــدْقِ طَــوْعِـي
ومَـنَـنت عليَّ فـقـلتَ بـأنـك بـي تبـدأ وتُعـيـــدُ بــي
كفاني عزّاً في القديم ماأنعمتَ به عليَّ من قدري
بقسَمك على نفسك بأنك عليَّ تُعـذب وليَ تُجزي
أمَــا بَـيَّــنَ لـهـم الــنَّـبـِـيُّ الــصــادقُ عـنــك أنــك
مـــاقســمتَ لـلـعـبـاد شــيئـاً أفـضـــل لـهـم مـنـّي
فـقــال إنَّ نــومَ الـعـاقـــل منهـم أفـضــلُ عـنــدك
مِـن سـَهَـرِ الجــاهـلِ المـطـيـعِ الـغـــافـلِ عـنِّـي ؟
وحـــذَّرَهـم فـقـــال إن الخـيــرَ كـلُّـه يُـدرَك بـــي
وأنــه لايـبـتـغـي الـدَّيــــنَ مَــن أعــرَضَ عـنِّـــي
وأراهــم حـجـتَـك فـي رُسُـلك وأنبيــائك ظـاهـرة****
وأعـجَــزَهم بأخـرى لك بــاطنة تُصــاب بالعـقـل
فــواسَــوأة ظــالـميّ الــذيـــن ملَّـكْــتَهـم أمْــــري
إذا سـُــئِـلوا يـوم الـقــيــامـة بيـن يـديــك عـنِّــي
كـيـــف غــاب عـنـهـم وعــدُك الـمـحـتـوم ااــذي
لـولا رجَـــوه لَـهـامــوا فـي الــدنيــا وَلَــهـــاً بـي
ولأطــــاعــــوك فـِيّ ولـم يـجــحـــدوا فــضــــلــي
وَيْــحــهُــم كـيـف يـرجـــون الـنـجـــاة بـغــيــري ؟
________________________________________________________________________
إشارة إلى الحديث الذي ورد على الصفحة 28 من المجلد الأول من كتابنا بحوث في واقع أمتنا **
وإن اللّه خلق العقل فقال له: أقبِل، فأقبَل ، وقال له: أدبِر، فأدبَر ، فقال اللّه تبارك وتعالى
وعزَّتي وجلالي ماخلقت خلقاً أعظم منك ولا أطوع منك ، بك أبدأ وبك أعيد ، لك الثواب ، وعليك العقاب
"إشارة إلى الحديث على الصفحة 35 من المجلد الأول " بحوث في واقع أمتنا***
ماقسم اللّه للعباد شيئاً أفضل من العقل ، فنوم العاقل أفضل من سهر الجاهل
إشارة إلى الحديث على الصفحة 37 من المصدر السابق****
:إن للّه على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة
:فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة ، وأما الباطنة فالعقول
لإبداء الرأي الواعي والبنَّـاء يمكنكم الاتصال بي مباشرة
محمد ياسـين حمودة
yasinh@total.net
Fax:(450)681-0974